تنمية القيادات

تنمية القيادات|الكشفية بين الإنتساب والإنتماء

الشّباب والكشفيّة: التزامٌ وأخلاقٌ

في الزّمن الّذي تكثر فيه التّحدّيات الّتي تعترض الشّباب في مسيرتهم الحياتيّة ومسارهم النّضاليّ، لأجل بناء مستقبلهم واختيار التّخصّص الّذي يتوقون إليه، تبرز “الأخلاق الكشفيّة” كأنماط سلوك مجتمعيّة لتؤكّد على ثابتتين ركيزيّتين: الإنتماء والإلتزام، اللّتين تنطبع فيهما خلقيّات الكشّاف، وتظهر فيهما مبادراتٌ جديدةٌ، تلتصق بروحيّة الشّباب، وقدرتها على العطاء والخدمة.
واستنادًا إلى أخلاق الكشّاف ومبادئهم الإنسانيّة الّتي تنفتح على مبادراتٍ وعطاءاتٍ كثيرة، يمكن النّظر إلى الدّور المأمول للحركات والجمعيّات الكشفيّة في تربية أجيالٍ جديدةٍ وتنشئتها على قيمٍ وطنيّةٍ واجتماعيّةٍ وإيمانيّةٍ، تساعدهم على بناء مستقبلٍ واعدٍ أساسه العدالة والاندفاع، وخير البذل وحبّ الخدمة.

إنّ المجتمعات الشّبابيّة اللّبنانيّة، هي أشدّ حاجة اليوم للإنخراط في الجمعيّات الكشفيّة، ذات الإلتزام الإنسانيّ والاجتماعيّ الصّريح، لِما يوفّر الثّقة للشّباب بتفاعلهم مع بعضهم البعض، والتّعرّف إلى قيمهم المشتركة، والعمل معًا على بناء لبنان أكثر صلابةً، وأقوى انفتاحًا، وما يحمله من تطوّراتٍ و تبدّلاتٍ على أكثر من صعيدٍ.

نحن، في لبنانَ، نتوقُ إلى شبابٍ يخترعون المستقبل، ويصنعون غدًا مشرقًا، ويتفنّنونَ في بناء السّلام، ويطمحون إلى عالم أكثر إنسانيّة.
ونعمل، اليوم، من أجل شبابٍ يُوقظون قلوبهم بالتّقوى ويتخلَّفون بالفضيلة، وينأون عن الرّذيلة، ويتحلّون بشجاعة الالتزام وجرأة الإقدام!

كما أنّنا نطمح إلى بناء شبابٍ ترتكز أخلاقهم على التّوازن في صناعة الفضيلة، ومشاعيّة المحبّة، ويتّصفون بالتّفكير الإيجابيّ، ويتّعظون من الماضي، ويأملون برؤيةٍ مستقبليّةٍ، ويطمحون من دون طمع، ويميِّزون بين القناعة والكسل، ويفخرون بلا تكبُّرٍ، ويتَقوُّون بلا تَجبُّرٍ، ويعملون على نهجٍ ملتزمٍ بأصول:
١- التّذكُّر والتّعلُّم
٢- الاستفهام للفهم
٣- الاستعلام للإعلام
٤- الرّصد والمقارنة
٥- النّقد للتّقويم

ومتى تمكّن الشّبابُ من الالتزام بهذه القيم والخُلقيّات، تتشكّل لديهم مناعةٌ فكريّةٌ يتحصَّنون بها تجاه كلّ ما يمكن أن يعترض مستقبلهم من تحدّيات، فيتجاوزونها بسلامٍ وقوّةٍ إيمانيّةٍ، وتضامنٍ اجتماعيٍّ، وتكافلٍ أخويٍّ.. فيتمكّنون من تتبّع أسلم الدّروب، ويرسمون خريطة عملهم، ويحدّدون مسيرتهم الحياتيّة.

وزير الشّباب والرّياضة اللبناني د.جورج كلّاس

الإنتساب هو أن يؤكّد الفرد على نسبه، أي أنّه ينتسب إلى الجمعيّة أو العائلة. أمّا الإنتماء في اللّغة العربيّة، فهو “الإنتساب الحقيقيّ للمكان، وتمجيد أهله والاعتزاز بهم، وبلغتهم وتراثهم وعقيدتهم وعاداتهم وتراثهم وتقاليدهم”.

وفي الاصطلاح، هو الانتساب الحقيقيّ للدّين والوطن، فكرًا وعملًا.
والإنتماء شعورٌ داخليٌّ يجعل الإنسان يعمل بحماسٍ وإخلاصٍ.
ويظهر معنى الإنتماء عادةً على أنّه تحرّك المشاعر داخل الإنسان بواجب دعم منظّمةٍ أو جمعيّةٍ، أو حتّى إنسان، وهذا يظهر من خلال ما يبديه الفرد من خلال درجة رضاه حتّى يصل إلى مرحلةٍ يشعر فيها وكأنّه ضمن عائلته. ..وبالعودة إلى حياتنا الكشفيّة، كيف لنا أن نربط بينهما في هذه الحياة؟ وهل تتمحور حياتنا الكشفيّة على الإنتماء أو الإنتساب؟ وهل تقتصر حياةٌ نُقدّم فيها كلّ الجهد والتّعب على الإنتساب فقط؟

نحن نعيش ضمن هذه الحياة، ونبذل وقتنا وجهدنا أكثر بكثيرٍ من حياتنا العاديّة، فأصبحت هذه حياتنا ومن دونها لم يعد للعيش معنى.
باختصار لم يعد الولوج إلى الكشفيّة مجرّد انتسابٍ، أو حبر على ورق، إنّما أصبح انتماءً عائليًّا كبيرًا وواسعًا.من هنا يتحقّق الإنتماء الكشفيّ، والّذي يشير إلى الإنتساب إلى الحركة الكشفيّة حيث يكون الفرد مندمجًا فيه باعتباره عضوًا فعّالًا ومقبولًا به، وله شرف الإنتساب إليه.

ويمكن لهذا الإنتماء أن يتحوّل إلى سلوكٍ جماعيٍّ من خلال العمل ضمن المجموعات الصّغيرة والوحدات، والّتي تتيح له مواقف عديدة يستطيع من خلالها إبراز مواهبه، وإمكانيّاته، وقدراته.. ممّا يعزّز روح الإنتماء إلى الجماعة. والّذي يعبّر من خلاله عن مشاعره، ويبذل فيه قصارى جهده لكي يكون إنسانًا مؤثّرًا في بيئته، ومجتمعه، ووطنه.
وهنا يمكن أن نستحضر الكثير من الأشخاص الّذين انتسبوا إلى الحركة الكشفيّة منذ المراحل الأولى، ولم يتركوا العمل فيها حتّى وفاتهم.

وكما قال اللّورد بادن پاول “علينا أن نكون حذرين عندما نغرس الرّوح الوطنيّة في نفوس أبنائنا، إذ يجب أن تتعدّى تلك الوطنيّة مجرّد العاطفة المحدودة الّتي عادة ما تقف عند حدود الدّولة، بما قد يوصي بالعداوة والبغضاء عند التّعامل مع الآخرين، فوطنيّتُنا أسمى وأنبل بحيث تعترف بعدالة مطالب الآخرين، وتؤدّي إلى توثيق الصّداقة بين وطننا وأوطان الآخرين في أنحاء العالم”.

ولتعزيز دورنا – نحن الشّباب – في العمل الوطنيّ لا بدّ من الإشارة إلى هذه النّقاط، والكشفيّة مجالٌ مثمرٌ لتفعيل عملها من خلال “الوعد والقانون الكشفيّين”. فالكشفيّة “لعبةٌ كبرى” تستثمر جميع الطّرق والوسائل لتحقيق أهدافها:
🔸 إنّ دور الشّباب في الخدمة العامّة ينعش التّنمية الوطنيّة، ويساعد على تنمية الدّيمقراطيّة وغرسها، وذلك عن طريق التّطوّع في المجتمع الّذي يحتاج إلى الكثير منها. وهذه الخدمة في سبيل الوطن يقوم بها الشّباب دون مقابلٍ ماديٍّ.

🔸 إنّ دور الشّباب في التّوعية وبناء الإنسان الجديد بعملٍ تربويٍّ مستمرٍّ يؤدّي إلى الحرص على أداء الواجب في الخدمات العامّة: كالعمل على تجميل المدن، والمحافظة على نظافة الشّوارع والحدائق.. إلخ.

🔸 تفعيل دور الشّباب في العمل الوطنيّ عن طريق “برلمان الشّباب” و”المشاركة في أمانات للشّباب”، من خلال صياغة نظامٍ تعليميٍّ ديمقراطيٍّ يفتح الباب واسعًا للحوار والمناقشة.

🔸 تدريب الشّباب على المهارات الّتي يتطلّبها العمل العامّ، وتهيئة قيادات شابّة كفوءة، وذلك من خلال “إنشاء معهدٍ تدريبيٍّ” لإعداد الكوادر الشّبابيّة…ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ العوامل التّربويّة الّتي تعتمدها الكشفيّة تساعد في هذا الأمر، فيمكن أن ترى ذلك منذ مرحلة الفرد الأولى حيث كان عضوًا في مجموعته الصّغيرة ( طليعة أو سداسي أو رهط)، وستجد أنّ نظام المجموعات الصّغيرة يشجّع المجموعة على التّعاون والمشاركة في إطار المنافسة والتّمييز لإنجاح الطّليعة، حيث الولاء الأوّل سيكون لطليعته – عائلته الأولى – وفي نظام المجموعات الصّغيرة ستجد أنّه لا يوجد فردٌ غير فاعلٍ في مجموعته.

أضف إلى ذلك، الكشفيّة ليست الهدف بل الوسيلة لبناء جيلٍ صالحٍ من أجل عالمٍ أفضل، وهذا ينمو من الفرد إلى القائد ليصبح منتميًا شكلًا ومضمونًا.
عندها نجد الإنتماء والولاء متجذّرين وبشكل أكبر في القادة القدامى، رغم أنّهم بدون مهام فعليّة، ولكنّهم يعتبرون أنفسهم جزءًا لا يتجزّأ من هذه الحركة، ولا يتوانَوْن عن الدّعم في أيّة لحظةٍ، وستجدهم الدّاعمين الأوائل من دون أن يُطلب منهم.
فالكشفيّة هي ارتباطٌ فكريٌّ سلوكيٌّ، يعرّف الفرد عن نفسه بأنّه تلميذ هذه المدرسة الكشفيّة، وعضو فيها مدى الحياة.لذا، عزيزي القائد/ة، هذه الرّوح يجب أن تكمل مسارها التّربويّ من خلال انتسابنا إلى الكشفيّة، لا بل من خلال انتمائنا لها لنوقف التّسرّب الكشفيّ، ولنحقق أهدافنا المرجوّة.. فأيّ خلل في المسيرة التّربويّة للكشفية سيقطع طريقنا الطّويل الّذي نريد أن نصل به إلى عالمٍ أفضل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى